الحرب الشعبيبة الثورية من احد الاستراتجيات التي استطاعت الشعوب من خلالها نيل حريتها والحفاظ على قيمها وكانت من اكثر الاستراتجيات التي صانت معايير الدفاع و الحماية الجوهرية ضمن هالة الحقوق الطبيعية تجاه الابادات العرقية والثقافية للانظمة المستبدة والمستعبدة, ومثال ذلك ما نشهده الان في روج افا وشمال سورية بريادة النساء اللواتي تحولن الى طاقة ديناميكية لثورة الشعوب ، ثورة المرأة ، تجاه الانظمة الفاشية والشوفينية والاسلاموية.
للحدث اسباب وللطريق عنوان:
أججت انتفاضة 12آذار 2004 براكين الكبت والقهر و الاستعباد الكامدة نتيجة للتنكيل والترهيب والانكار في نفوس الكرد تجاه النظام البعثي, وزادت من عزيمته على حماية كيانه, ادراكاً منه بأنّها مؤامرة في قتل كل حس وطنيٍ كردي, وخلق فتنة وانقسام بين الشعوب والطوائف في المنطقة, ومحاولة ترسيخ قاعدة فرق تسد. فجاءت تلك الأحداث ليهب الكرد الى القيام بتنظيم مسيرات ومظاهرات شعبية منظمة نسبياً, احتجاجاً على ما قام به النظام البعثي والمتواطئين الرجعيين معه, وسرعان ما عمت المظاهرات في جميع المناطق الكردية وتحولت الى انتفاضة .ولكن بسبب عدم وجود طليعة سياسية, ونهج استراتيجي في إطار هدف واضح حال دون وصولها لأي مبتغى, رغمها ترك هذا الحدث أثراً في نفوس الكرد وإيماناً بوجود طاقة كامنة من الحس الوطني, لأجل انطلاقة جديدة أكثر تنظيماً للمطالبة بحقوقهم الطبيعية.
في عام 2011 ومع ظهور ثورات ربيع الشعوب في الدول المجاورة لسوريا, ومطالبتها بتغيير النظام المستبد الذي سلب كل المقومات الحياتية, ألقى ذلك بتأثيره على الشعب السوري أيضاً, فبادر بالانضمام الى مسيرة الشعوب التي تسعى الى تحقيق حريتها واستعادة قيمها المشروعة, وقد كان الكرد الحاضنة التي احتوت الثورة بطليعة واعية واستراتيجية مدروسة استراتيجية الحرب الثورية الشعبية, وذلك اعتماداً على تجاربهم ومستلهمين من تاريخهم الحافل بالثورات في أجزاء كردستان, وكانت المرأة طليعية هذه الاستراتيجية في جميع المجالات وبالأخص في مجال الحماية والدفاع.
انضمت المرأة الى الحراك الثوري بوعيٍ كامل لماهية جاهزيتها بالاعتماد على التدريب والتثقيف من كافة النواحي السياسية والفكرية والثقافية, وكيفية حماية ذاتها فكانت تعقد جلسات نقاش وحوارات مع النساء على التطورات المرحلية وكيفية مواجهتها. كانت هذه بداية ظهور آلية الحماية الذاتية للمرأة , وإدارة المرأة نفسها بنفسها والحق في اتخاذ التدابير والقرارات بصدد مستقبلها ومستقبل شعبها بمسؤولية واعية وحس وطني عميق.
وكان من جملة التدابير والقرارات التي تم اتخاذها، بناء مجموعات منظمة من النساء لأجل حماية الأحياء في القرى والمدن من السكان , فقد كن يحملن أسلحة خفيفة كأسلحة الصيد والأسلحة البيضاء, وكان هدفهن من حمل هذه الأسلحة لا يتعدى درء الخطر المحدق بهن ، واللافت للنظر في تلك المرحلة كانت النساء سباقات في القيام بهذه المهام.
كسبت هذه الآلية أهميتها بالتزامن مع ظهور الفصائل الاسلاموية وهجومها على المنطقة من جهة, ومن جهة أخرى مبادرة الفئة الشابات إلى الانتساب بأعدادٍ كبيرةٍ لهذه المجموعات التي لم تكن تحمل اية صبغة عسكرية, فقد اتخذت منذ بداية ظهورها مبدأ الدفاع وحماية الذات, وبحكم الضرورة الحتمية ونظراً لواقع الأحداث التي عايشتها المنطقة من تهديدات داخلية وخارجية, تم الإقرار في بناء تشكيل عسكري ضمن هيكلية منظمة باسم وحدات الحماية الذاتية الشعبية YXG؛ من الشابات والشباب وبدأ فتح مراكز للانتساب في المدن ,حيث كانت تدار فيها الأعمال التنظيمية والتدريبات النظرية وأيضا ندوات حوارية شعبية في إطار التوعية والتنمية لماهية حماية الذات, وترسيخ دعائم الوطنية والثورية في مجاراة أحداث الثورة.
بادرت العشرات من الشابات للانضمام، وأخذت مكانها في التراتيبية العسكرية، ضمن صفوف (YXG)؛ الذي طور نفسه في سباق مع الزمن ليشكل وحدات حماية الشعب (YPG). وسرعان ما ازدادت أعدادهن، الأمر الذي اقتضى بناء تشكيل ومؤسسة قيادية خاص بهن, لتبدأ مرحلة جديدة, وهي مرحلة بناء كتائب نسوية في كانتونات عفرين, الجزيرة وكوباني. وقد كانت أول كتيبة تم تشكيلها هي كتيبة الشهيدة “روكن” في كانتون عفرين بقيادة الشهيدة “روكسان عفرين” بتاريخ 13 شباط 2013, ولزيادة الرغبة في تكوين حلقة متكاملة تتعاضد وتتناصر فيما بينها كخلية النحل, والرغبة الحثيثة بكسر جماح القيود ، تعاقبت تشكيل الكتائب الخاصة بها, وكل تلك الكتائب كانت نتاج وثمرة النضال والإنتصار الحقيقي من قبل المرأة, حيث شاركت مع وحدات حماية الشعب بتحرير المناطق من النظام البعثي ومن المجموعات الإرهابية المسلحة, وعلى الرغم من قلة العتاد والأسلحة فقد حققت انتصارات قيمة في أحلك الظروف وأكثر الأوضاع صعوبةً, لأن ما قامت به من انجازات لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت نتيجة وعيها بمهامها التاريخية, وإيمانها التام بأن الخناق والحصار المفروض على أرضها وشعبها وقيمها التاريخية, هو في الوقت ذاته حصار وخناق مفروض على روحها.
كان أكثر ما يميز ي ب ج هي قيامها بكافة المهمات الدفاعية, فانضمام العنصر النسوي الى المنظومة الدفاعية كان العامل الذي شكل النقطة الأكثر اختلافاً وجاذبية لانضمام الشباب, فقد كانوا يتأثرون بشخصية المرأة القوية ضمن الوحدات ويرجع ذلك الى انّ المرأة قد رسمت نموذجاً لشخصيةٍ جديدة لا تمت لسابقتها المستسلمة والخاضعة بأية صلة, بل مكافحة ومتمردة ضدّ كل ما يفرض عليها الخنوع, فالذي احدثته المرأة الكردية بشكل عملياتي كان زعزعةً لبنيان الذهنية الذكورية وتبعياتها وهذا بحد ذاته كان تغييراً بنيوياً.
انضمام الشابات إلى صفوف الوحدات كان له وقعاً معنوياً على النساء بشكل خاص، فقد كنّ ينتظرن مرور دوريات الوحدات التي كانت تقوم بجولات امنية فقط لتلقين نظرة ولتعشن لحظة الافتخار ببنات جنسهنّ ولم يقتصر الأمر على هذا فقط, كانت هناك روايات كثيرة مثل هذه؛ فقد روت عضوة من الوحدات قصتها عندما كانت تقوم بالحراسة مع اثنتين من رفيقاتها :
– كان يوجد طريقان لدخول البلدة التي كنا نقوم بحراستها, احدهما كان طويلاً جدا ولكنه كان يمر من امام نقطة الحراسة التي كنا نديرها. أما الآخر كان مختصراً ولكنه أبعد بقليل عن مناطق تواجدنا والمثير في الأمر أنّ الشعب كان يسلك الطريق الجبلي الطويل فقط ليمر من أمامنا ويظهر لنا التضامن والفخر.
انضمام المرأة لواجب الحماية كانت قوة دفع نوعية في الاستجابة لكل طموحات النساء والانخراط في الدور التعليمي, الإداري والسياسي وبناء مؤسسات نسوية, وكذلك عدَ امراً لم يعهدن عليه وكمصدر للاعتبار والثقة التامة بقدراتهن في حماية المجتمع والقيم الوطنية, بعد أن كانت أسيرة للبيت وعبدةً لترسيم أطر وحدود حرياتها وحرمانها من أبسط حقوقها كإنسانة بحكم تلك الذهنية المجتمعية السائدة, هذا كان المنحى والنقطة المحورية التي انعكست على الصعد المتعددة كما تم ذكره سابقاً وما شهدناه في الكانتونات الثلاث، عفرين وكوباني والجزيرة حيث مثلت الكرديات روح الحرب الشعبية الثورية في قيادة المعارك وتطوير تكتيكات الحرب الشعبية وكعنصر فعال في معارك التحرير.
الرابط الوثيق بين الأرض، الوطنية وحرية المرأة تحول الى الرابط الروحي وفكري لكافة النساء في روج افا وشمال سورية، حيث شكلت أرضية في اتحاد الشعوب وهذه من أقيم واهم ركائز الحرب الشعبية الثورية وضمانة انتصارها.
مكتب المعلومات و التوثيق لوحدات حماية المرأة_YPJ