التنويرُ الحقيقيُّ والشاملُ للطبيعةِ الاجتماعيةِ غيرُ ممكنٍ، إلا بالتنويرِ الحقيقيِّ والشاملِ لطبيعةِ المرأة. كما أنّ تسليطَ الضوءِ على وضعِ المرأةِ، بدءاً من تاريخِ استعمارِها كأنثى إلى استعمارِها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وذهنياً؛ إنما سيُقَدِّمُ مساهماتٍ كبرى في تسليطِ الضوءِ على جميعِ القضايا التاريخية الأخرى، وعلى المجتمعِ الراهنِ بكافةِ جوانبه. لذا يستلزم التقيد ببعض المبادئ في خضم هذا الصراع والتي استلهمناها من الغاية، التي تناضل من أجلها وحدات حماية المرأة منها:
أولاً: النظر إلى العصر ضمن آفاق الحكمة، والحذو حذوها.
ثانياً: فرض السلوكيات العظيمة إزاء طيش النظام وتهوره.
ثالثاً: القبول باستحالة تواجه الجنسين أو النظر إلى بعضهما البعض في حالة غياب الحرية والتحرر؛ واستساغة ذلك كسلوك أخلاقي أساسي.
رابعاً: أَسْرُ الغريزة الجنسية وضبطها بموجب متطلبات النقاط الثلاث السابقة.
بمعنى آخر؛ يجب الإدراك يقيناً بأن أية خطوة تُخطى على درب العشق ستكون إنكاراً للعشق؛ ما لم ترتبط الغريزة الجنسية فيها بالحكمة وبأخلاق الحرية وحقيقة النضال والصراع السياسي والعسكري. كل من يعجز عن تأمين فرصةٍ يؤسس فيها المرء عشه الزوجي الحر بقدر العصفور الطليق، ويتكلم بالمقابل عن العشق والعلاقة والزيجة؛ إنما يشير بكل جلاء إلى استسلامه لعبودية النظام الاجتماعي السائد، وإلى جهله بالقيم النبيلة السامية لنضال الحرية، هذا ما رسخته وحدات حماية المرأة في ركائز نهجها.
على المرأة أن تعي أنه عندما تتوجه حريتها صوب ميدان كينونتها وهذا في كل الميادين السياسية والاجتماعية، العلمية والثقافية، يجب أن تعلم بأنها حينئذ في مواجهة أشد جوانب الصراع حدة ومشقة. وكذلك بدون معرفة كيفية إحراز النصر في ميدان الكيان، لا يمكن أن يكون أي انتصار آخر راسخاً أو مستداماً. لذا أدركنا بأنه على حركات المرأة التحررية أن تؤدي دورها الريادي، في سبيل تأسيس الكيانات وتمثيل جوهر ديمقراطي، ضمن ثقافة مجتمعية رصينة، خارجة عن نطاق الثقافة الدولتية، والمناهِضة للهرمية وهذا في خلق شخصية رائدة والتي تكون بمعرفة، بأن هذا الدرب يستلزم النضالُ والصراع والكفاح المستمر في الميدان التنظيمَي والنضالَ الديمقراطي الشامل للمرأة. فكل أنواع منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان والإدارات المحلية، هي الساحات التي سيتطور فيها نضالها. وطبقاً لما هي عليه الحال في الاشتراكية؛ فالدرب المؤدية إلى حرية المرأة ومساواتها، تمر من النضال الديمقراطي المظفر والأشمل على الإطلاق. لا يمكن لحركة المرأة العاجزة عن كسب الديمقراطية، أن تظفر بحريتها ومساواتها الا بنهجٍ كهذا.
من الواقعي أيضاً اعتبار قرننا مرحلة اجتماعية ستتصاعد فيها إرادة المرأة الحرة. لذا، يتوجب التفكير في المؤسسات الراسخة اللازمة للمرأة وتأسيسها، ربما لأجل القرن بأكمله. وقد تتولد الحاجة لأحزاب تضمن حقوق حرية المرأة و ستكون ذرائع تأسيس هذه الأحزاب ومهامها الرئيسية متمثلة في توطيد المبادئ الأيديولوجية والسياسية الأولية للحرية المجتمعية أيضا، وإدراجها حيز التنفيذ، والإشراف على ذلك وتسييره. ومساواتَها لا تُحَدِّدُ حريةَ المجتمعِ ومساواتَه فحسب، بل إنها تقتضي ترتيباتِ النظريةِ والمنهاجِ والتنظيمِ والممارسةِ اللازمة له . والأهم من ذلك هذه المأسسة ستَدُلُّ على استحالةِ وجودِ السياسةِ الديمقراطيةِ وأخلاق مجتمعية بلا المرأة، بل وستبقى السياسةُ الطبقيةُ ناقصةً، وسيستحيل استتباب السلمِ وحماية البيئة حتى.
ما تم تأكيده في حقبة ثورة روجافا وخلال كفاح المرأة وممارستها العملية، نوعي بأن المسؤولية التي تقع على كاهل المرأة، ليست في ضمان المساواة والعدالة الاجتماعية، بل في المجتمع وعلى المرأة أن توعي بأن الأساس هنا هو المساعي والتنظيم الخاص بها ، فقد تَمُد حركة الدمقرطة العامة للمرأة ببضعة فرص وإمكانيات. لكنها لا تجلب لها الديمقراطية تلقائياً. على المرأة أن تبذل مساعيها وتؤسس تنظيمها وتحدد أهدافها الخاصة بها بالذات.
كما ثمة حاجة أولية لتعريف الحرية بما يقابل حالة العبودية المعششة في المرأة والمجتمع. لقد تطورت قدرة النظام الرأسمالي الخارقة على تطوير الأدوار والخيالات والتصورات الزائفة عوضاً عن الحقيقة، بحيث ساوى بين الحرية وبين النشاطات الأكثر حطاً من شأن المرأة والمجتمع (كالأدب والفن الإباحي على سبيل المثال).
فالتاريخُ الدولتي هو تاريخُ خُسرانِ وضياعِ المرأةِ في الوقتِ نفسه. هذا التاريخُ بآلهته وعباده، بحُكامه وأتباعه، باقتصادِه وعلمه وفنه؛ هو تاريخُ رسوخِ شخصيةِ الرجلِ المسيطر، أي الرجل الدولة. بالتالي، على المرأة أن تعلم بأن خُسرانُها وضياعُها يعني التهاوي والضياعَ الكبيرَ باسمِ المجتمع. والمجتمعُ المتعصبُ جنسوياً هو ثمرةُ هذا السقوطِ والخُسران. مهمٌ جداً للمرأة التساؤل والواجب طرحه هنا: لِمَ كل هذه العبودية الغائرة؟
فإذا ما أَخرَجْنا مصطلحَ الاستعمارِ من إطارِ البلدِ والأمة، واختَزَلناه إلى المجموعاتِ البشرية، فبمستطاعنا– بكلِّ يُسر – تعريفَ وضعِ المرأةِ بأنها أقدمُ مستَعمَرةٍ على الإطلاق. ففي حقيقةِ الأمر، ما مِن ظاهرةٍ مجتمعيةٍ شَهِدَت الاستعمارَ روحاً وجسداً بقدرِ ما عليه المرأة. ينبغي الفهمَ بأنه تم الإمساكُ بالمرأةِ ضمن وضعِ مستَعمَرةٍ لا يُمكِنُ رسمَ حدودِها بسهولة.
موقع المرأة الكوني يمنحها دوراً حياتياً ومصيرياً من حيث أخلاقياتِ وجمالياتِ الحياةِ على ضوءِ الحريةِ والمساواةِ ودمقرطة، كَونها العنصرَ الأصليَّ للمجتمعِ الأخلاقيِّ والسياسي. كما أن علمُ الأخلاقياتِ والجمالِ جزءٌ لا يتجزأ من علمِ المرأة. ولا جدال بشأن أن المرأة ستُحقِّقُ انفتاحاً وتطوراتٍ عظيمةً في جميعِ ميادينِ بقوةٍ فكريةٍ وتطبيقيةٍ على السواء، بِحُكمِ مسؤوليتِها الثقيلةِ في الحياة. فأواصرُ المرأةِ مع الحياةِ شاملةٌ أكثر بكثير مقارنةً مع الرجل. ورُقِيُّ بُعدِ الذكاءِ العاطفيِّ متعلقٌ بذلك.
كما ان تحريرُ الحياةِ مستحيلة، ما لَم تُعَشْ ثورةٌ نسائيةٌ جذرية، وبالتالي، ما لَم يَتَحَقَّقْ التغيرُ الجذريُّ في عقليةِ وحياةِ الرجل. ذلك أنّ الحياةَ بِحَدِّ ذاتِها ستتحولُ إلى سَراب، ما لَم تتحررْ المرأةُ بصفتِها قمةَ الحياة. كما ستظَلُّ السعادةُ خيالاً أجوفاً، ما لَم تَتَحَقَّقْ مسالمةُ الرجلِ مع الحياة، والحياةِ مع المرأة.
فلا حدود للحقائقِ الاجتماعيةِ بشأنِ المرأةِ والحياةِ الحرة. كما أنّ المجتمعَ الديمقراطيَّ مجتمعٌ يتطلبُ ذهنَ المرأةِ وإرادتَها الحرة. وبمنتهى الصراحة، فالعصرانيةُ الديمقراطيةُ هي عصرُ ثورةِ المرأةِ وحضارتِها.
مكتب المعلومات و التوثي لوحدات حماية المرأة_YPJ