في الجزء الأول من سلسلتنا عن الدولة الإسلامية، شرحنا بإيجاز عن تأسيس وتاريخ تنظيم داعش. ستركز هذه المقالة على المستوى الإيديولوجي، وتشرح كيف يسيء تنظيم داعش استخدام مفهوم الجهاد لإضفاء الشرعية على الفظائع.
- ما هو الجهاد؟
- الجهاد الأكبر والأصغر.
- الجهاد قبل وبعد وفاة النبي محمد.
- تحريف معنى الجهاد.
- ” الإسلام الذي يقوم على المجتمع هو مرتبط بالديمقراطية “.
- الدفاع عن الذات والإسلام الديمقراطي تأييداً للمجتمعات المسالمة.
ما هو الجهاد؟
تأتي كلمة ” الجهاد ” من اللغة العربية وقد تم تصورها لأول مرة مع ظهور الإسلام، يعني العمل أو العمل بنية طيبة ونظيفة. اختصار كلمة ” الجهاد ” تعني العمل أو الكد، كما أن أصل الكلمة يأتي من مجتمعات ما قبل الإسلام في الشرق الأوسط.
منذُ مئات السنين قبل ظهور الدين الإسلامي، كانت المجتمعات متأثرة بقيم العمل والجهد والاجتهاد. وبهذا الفهم للجهاد، يكمن للمرء أن يقول إنه قبل تطور الديانات التوحيدية، كان الجهاد بالنسبة لمجتمعات الشرق الأوسط مبدأ ذا معنى للحياة. بمعنى آخر، لعب الجهاد دوراً مقدساً في خلق حياة جميلة للناس. ومع ظهور الإسلام، أصبح المعنى والمفهوم نفسه لا ينفصلان تماماً عن الله.
كان ظهور الدين خطوة مهمة في تطور الفكر الإنساني، ويمكن اعتبار هذا التطور للعقل البشري ثورة نظراً لكيفية تغييره للمجتمع بشكل كبير. أنشأ الدين طرقاً جديدة للتغلب على المشكلات القبلية والإجابة عنها داخل المجتمع والتي كانت موجودة منذُ مئات السنين.
وفي الشرق الأوسط، كان للدين الإسلامي تأثيره على المجتمع في الغالب من خلال وجود النبي محمد ومواعظه بين الناس، وهي المرة الأولى التي يُقصد فيها بالجهاد “الجهاد في سبيل الله ” وقد بينت معناها في آيات كثيرة من القرآن الكريم. إن المعنى الحقيقي للجهاد في الإسلام هو التصحيح والبناء والإنشاء والاستمرارية، أي فعل الخير. ولهذا، وعلى أساس أمر الله وقصده، لابد من الكفاح في الجهاد.
&
إن المعنى الحقيقي للجهاد في الإسلام
هو التصحيح والبناء والإنشاء والاستمرارية،
أي فعل الخير.
في بداية الإسلام، عندما كان المسلمون في مكة، كان الجهاد دعوة ونصيحة وصلاة وتأدية للقيام برسالة الإسلام، لم يكن هناك هجوم أو قتل أو حرب. ولما أخرج المسلمون من أرضهم وهاجروا تعرضوا للهجوم، ثم صدر الأمر بمهاجمة من هاجمهم وإخراجهم من أراضيهم، ولكن فقط ضد أولئك الذين هاجموهم – وليس كل الناس.
وبغض النظر عن هذا، فقد كان النبي محمد دائماً يخبر المسلمين إن أعظم الجهاد هو جهاد النفس. وفي آية قرآنية، عندما كان جيش النبي محمد يتراجع عن صراع مسلح، قيل إنهم قادمون من الجهاد الأصغر (الجهاد المادي) ووصلوا إلى الجهاد الأصعب، وهو الجهاد الأكبر.
الجهاد الأكبر والأصغر:
يوجد في الإسلام مفهومان رئيسيان للجهاد وكثيراً ما يُساء فهمهما وتفسيرهما وفقاً لمصالح الفرد. وكلا المفهومين مليئان بالمعاني التي يمكن أن تضفي الشرعية على استخدام الجهاد كسلاح ضد العالم أجمع، وخاصةً مجتمعات الشرق الأوسط.
الجهاد الأصغر يعني الدفاع عن النفس ضد القوى المعادية، وينقسم إلى قسمين: الجهاد الدفاعي والجهاد الهجومي.
الجهاد الدفاعي (جهادالدفع): نجده في المرحلة الأولى من نزول القرآن عندما كان المسلمون في مكة، وجهاد الدفع يعني العمل في سبيل الإسلام. لقد أوضح القرآن أنه إذا كان هناك هجوم على الإسلام، فمن حقك كمسلم أن تدافع عن نفسك وترد. وبعبارة أخرى، فإن جهاد الدفع يعني حماية الإسلام من الهجمات، وفي آيات القرآن يقولون حتى يهاجمكم أحد فلا تعتدوا على أحد ولا تمسوا أحداً لان الله لا يحب العنف.
&
وفي آيات القرآن يقولون،
حتى يهاجمكم أحد فلا تعتدوا على أحد،
ولا تمسوا أحداً لان الله لا يحب العنف.
الجهاد الهجومي (جهادالطلب): يحدث في المرحلة الأخيرة من القرآن عندما هاجر المسلمون إلى المدينة بعد أن تمت مهاجمتهم في مكة، ولهذا السبب جاء في القرآن ببدء الحرب على الذين هاجموا المسلمين وليعودوا إلى ديارهم. وعلى هذا قيل إنهم لو أسلموا وردوا البلاد لوجب إطلاق سراحهم. أما إذا استمروا في احتلال بلاد المسلمين ولم يكونوا مسلمين، جاز قتلهم. والذي يُقال هنا أنه لا يعتدي مسلم على غيره حتى يعتدي أحد على الأرض وأهل المسلمين. لكن بعد وفاة النبي محمد، تم تشويه مفهوم الجهاد واستخدامه وفقاً لمصالح شخصية وسياسية.
الجهاد قبل وبعد وفاة النبي محمد
عند تحليل مفهوم الجهاد، من المهم جداً التمييز بين الفترة التي سبقت وفاة النبي محمد وبعد وفاته. وكان أعظم الجهاد قبل وفاته هو “جهاد النفس”. إن تنفيذ الجهاد تم بالحكمة والإقناع وليس بالقتل والنهب. بعد وفاة النبي محمد، انعكست ممارسة الجهاد إلى حدٍ كبير، ويرتبط ذلك بالتطورات التاريخية التي حدثت بعد وفاة النبي، حيث ظهرت ثلاثة اتجاهات إيديولوجية في الإسلام خلال هذه الفترة الزمنية والتي ترتبط جميعها بمسألة من يخلف النبي محمد. وعندما توفي النبي محمد بقي جثمانه على الأرض لمدة ثلاثة أيام، لأن الجميع كانوا يتقاتلون على السلطة ولم يتمكنوا من الاتفاق على من سيتولى الخلافة. وبما أن النبي محمد لم يعين خليفة له، ولأنه لم يكن لديه أبناء على قيد الحياة، فقد نشأ صراع.
يمكن إيجاد الخط الإيديولوجي الأول لدى المهاجرين، ويشار إلى “المهاجرين” أولئك الذين هاجروا مع النبي محمد من مكة إلى المدينة، وكان أحدهم عمر بن الخطاب المعروف أيضاً باسم “عمر”، الذي عارض النبي محمد في البداية لكنه أعتنق الإسلام فيما بعد وهاجر إلى المدينة المنورة. وقال المهاجرون إنهم هم المخوّلون شرعاً بالخلافة، لأنهم أول من آمنوا بالنبي محمد.
أما الخط الإيديولوجي الثاني كان لدى الأنصار، “الأنصار” تعني بالعربية “المساعدين”، كانوا السكان المحليين للمدينة المنورة الذين رحبوا بالنبي محمد وأتباعه عندما هاجروا من مكة. لقد حاربوا مع النبي محمد واستشهد الكثير منهم خاصةً وقفوا ضد قبيلة قريش وهي أكبر القبائل العربية في مكة، وقال الأنصار إنهم أول من يتولى الخلافة لأنهم ذرفوا الدماء إلى جانب النبي محمد.
أما الخط الثالث يمكن رؤيته عند “أهل البيت” وهو آل النبي محمد، علي بن أبي طالب وهو أحد أفراد عائلة النبي محمد وابن عمه وصهره. وعندما ذهب علي إلى الحرب، عيّن المجلس أبو بكر الصديق كأول خليفة للخلافة الجديدة، لأنه أول من نشر فكر النبي محمد وقدمه للناس.
وبعد وفاة أبي بكر الصديق، تولى الخلافة عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان، ثم علي بن أبي طالب الذي أصبح الخليفة الرابع. وهؤلاء الأربعة يُعرفون بالخلفاء الراشدين. لكن بعد مقتل علي، سقطت الخلافة في أيدي الأمويين وهم قبيلة عربية كانت في مكة قبل ظهور الإسلام، واستمروا في حكم العالم الإسلامي بأكمله، وحولوا الخلافة إلى سلالة يرث أبناؤها الحكم من آبائهم.
وبعد ذلك، ظهرت العديد من الطوائف الدينية ونشبت الصراعات بين المسلمين، وظهرت أيضاً حركات إسلامية مختلفة عارضت السلطة التي تم تشكيلها، لكن لم ينجح أي منها، وبقي الكثير منها إلى الآن في ماضي التاريخ الإسلامي. ونتيجةً لذلك، أصبح الإسلام مرتبطاً بالسلطة والدول وابتعد أكثر عن حقيقة الدين.
تحريف معنى “الجهاد“
عندما تزايد استخدام الدين الإسلامي من قبل من هم في السلطة، ارتبط مفهوم الجهاد ارتباطا تاماً بمفاهيم الحرب المسلحة والقتل والذبح وقطع الرؤوس وسفك الدماء. حذر النبي محمد إنه لا ينبغي لأحد أن يستخدم آيات القرآن بشكل انتقائي، لأن القرآن مترابط مثل الدائرة. وكان الهدف الرئيسي لظهور الإسلام هو إنقاذ الناس من الجهل وتحقيق العدالة الاجتماعية والسلام. أحد المبادئ التي ذكرها النبي محمد وكان في حالة الحرب – إذا طالب عدوك بالسلام فعليك أن تلقي سلاحك على الفور وتحقق السلام.
وعلى هذا الأساس يتبين إن مفهوم الجهاد قد تم تحريفه وقطعه عن أصوله الحقيقية. بعد مرور ألف وخمسمائة عام على ظهور الإسلام، هناك مجموعات تعتبر نفسها أتباع الإسلام الحقيقيين الوحيدين، ولكنها تستخدم الهيمنة والاستحواذ على السلطة كأساس لأجندتها السياسية. لقد أوقفوا أحد أهم عناصر الدين: الحوار والتفسير والمناقشة، ولهذا السبب لا يسمح داعش بالنقاش حول تفسير الشريعة، ويستخدم مفهوم الجهاد لإضفاء الشرعية على قتال “الكفار”.
ويدرك تنظيم داعش إن الدين له تأثير كبير في الشرق الأوسط ولذلك يستخدمون المشاعر الدينية للناس لنشر أيديولوجيتهم، كما يزعمون إن قواعدهم وممارساتهم ملزمة لكل من يريد أن يكون مسلماً صالحاً. وبهدف إقامة الخلافة، جاء آلاف الأشخاص إلى العراق وسوريا للقيام بالجهاد، استخدم داعش مفهومه الملتوي للجهاد لخداع الناس، لقد أُجبر آلاف الأشخاص على الانصياع لقوانينهم وتم اختطافهم وتعذيبهم وقطع رؤوسهم، كل ذلك مع إضفاء الشرعية عليه من خلال الجهاد. تم جذب النساء على أساس تطوعي وإجبارهن على “جهاد النكاح” وتزويجهن من مقاتلي الدواعش لخلق جيل جديد من المسلحين.
باسم الجهاد، ألحق تنظيم داعش أضراراً جسيمة بالثقافة الإسلامية. بعد أن خلق داعش دعاية خاصة به حول مفهوم الجهاد، أطلق العنان على شعوب الشرق الأوسط مثل الوحش البري وبضوءٍ أخضر ومساعدة من الدولة التركية. وصل داعش إلى مستوى إنه إذا سمع المرء اسمه فقط فإنه سيهرب خوفاً، أغلب جيوش الدول القومية والقوات المشهورة بحروبها لم تقف في وجه داعش ولم تعارضه بل هربت جبانة.
&
باسم الجهاد، ألحق تنظيم داعش أضراراً جسيمة بالثقافة الإسلامية.
فالجهاد كما قصده النبي محمد كان مبنياً على الضمير الأخلاقي، وقد تناقض داعش مع ذلك وحوله إلى قتال “الكفار المزعومين”، على الرغم من أن النبي محمد قال “إن الإسلام لا يمكن فرضه على شخص ما، ولا يجب على الجميع أن يصبحوا مسلمين”. إلا أن كل مكان احتله داعش كان محكوماً بالعنف، وإذا حللنا وفقاً للنضال الإسلامي للنبي محمد فإن ممارسات داعش هي ممارسات تكفيرية. إن هدف داعش ليس بناء الدولة على المبادئ الإسلامية بل بناء وتوسيع دولة فاشية ومحتلة.
“الإسلام يقوم على مجتمع أساسه متعلق بالديمقراطية“.
لقد قمنا كوحدات حماية المرأة بمقاومة كبيرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ليس عسكرياً فحسب بل أيضاً إيديولوجياً وضد أيديولوجيتهم المناهضة للإنسانية، طرحنا فكرة الأمة الديمقراطية. كما قدم القائد والفيلسوف عبد الله أوجلان هذا المجلد بتحليل عميق لتاريخ الإسلام ومعناه وفي الجزء الخامس من كتاباته الدفاعية التي كتبها في السجن الانفرادي بجزيرة إميرالي التركية. يتحدث عن ظهور الإسلام “في تاريخ الحضارة، حدثت ازدواجية في كل ثورة، وفي الثورة الإسلامية، تشكلت بطريقة صعبة وبعد وقت قصير من حدوثها، كانت القضية الأساسية للنقاش ما إذا كانت ستستمر في خط الثورة الديمقراطية أو في خط الثورة المهيمنة. منذُ اليوم الذي ظهر فيه الإسلام، أصبح كلا الاتجاهين محسوسين بطريقة صعبة وحاولت الطبقة العليا من العشائر والمتلهفين للسلطة بقيادة الثورة نحو السلطنة الإسلامية لكن الطبقات الدنيا من العشائر والمستعبدين حاولت قيادة الإسلام على الخط الديمقراطي.
من الواضح إنه بعد ظهور الإسلام، كان هناك خطان: خط ديمقراطي وخط قمعي. يواصل عبد الله أوجلان تحليل ما سيحدث إذا استمر استخدام الإسلام لخدمة السلطة: “الإسلام الذي يتخذ من المجتمع أساساً له يرتبط بالديمقراطية ويدعم الشعب ويحميه. الإسلام الفردي الذي يتصاعد دائماً مع الطلب على السلطة يقطع معناه العميق عن المجتمع، من الصعب جداً اعتبار إسلام الدولة ديناً”.
<< إن الإسلام الذي يتخذ المجتمع أساساً له يرتبط بالديمقراطية، يدعم الشعب ويحميه.....
الإسلام الفردي يتصاعد دائماً بالطلب على السلطة، يقطع معناه العميق عن المجتمع>>
القائد عبد الله أوجلان
وحول العلاقة بين الدولة والدين يختتم عبد الله أوجلان: “هل استخدمت الدولة الدين أم الدين استخدم الدولة؟ فإذا استخدمت الدولة الدين، وقد فقد ذلك الدين هويته (..). إن تبرير الدولة بالدين وتبرير الدولة للدين هو السبب الرئيسي الذي جعل الدين محافظاً وبلا معنى وجوفاء.”
الدفاع الذاتي والإسلامي الديمقراطي تأييد للمجتمعات المسالمة.
لقد قاموا بغزو العديد من الدول تحت اسم الإسلام السياسي والجهاد، اليوم في الشرق الأوسط لكن ايضاً في جميع أنحاء العالم، أصبح سوء استخدام الجهاد أحد أخطر الأدوات والاسلحة لتعزيز القوة في النظام الأبوي والفاشية. وعلى الرغم من إن الإسلام قد خرج بالعديد من التطورات المهمة والمفيدة، إلا أن السياسة والحرب التي تشن بسبب سوء استخدام الدين، تدفع المجتمع للتراجع إلى حضارة آلاف السنين. كانت ثورة النبي محمد بمثابة الدواء للمجتمع في ذلك الوقت، ولكن بأيدي من يربطون الدين بالسلطة والدولة، يتحول الدواء إلى سم.
كوحدات حماية المرأة نرى الدفاع المنظم عن النفس والمناقشة وتطوير الإسلام الديمقراطي كعنصر أساسي في مواجهة إيديولوجية داعش، عندما نؤسس وعياً داخل المجتمع يسمح بالحوار داخل الإسلام وكذلك بين الأديان والمعتقدات المختلفة، فإن المجتمع نفسه سوف ينمو.
سيكتسب المجتمع نفسه القدرة على الدفاع عن نفسه إيديولوجياً من الهجمات النفسية مثل تلك التي تفرضها إيديولوجية داعش، وبالتالي فإن الدفاع عن النفس لا يشير فقط إلى الدفاع الجسدي بالأسلحة، بل يشير أيضاً إلى معرفة ذهنية. على وجه الخصوص، تحتاج النساء اللاتي عانين أكثر من غيرهن من هجمات داعش الكارهة للنساء إلى تثقيف أنفسهن ومجتمعاتهن للتغلب على البقايا العالقة لإيديولوجية داعش.
كوحدات حماية المرأة ونساء الشرق الأوسط سنواصل محاربة داعش وما يجسده ضد النظام الذكوري المهيمن، كما نعِد بتعزيز الثورة النسائية.